لا شكّ أنّ السجود في ذاته عبادة إذ إنّه يمثل غاية الخضوع، بل هو أبلغ صورالتذلل لله سبحانه وتعالى ؛ لاَنّه يربط بين الصورة الحسية والدلالة المعنويةللعبادة في ذلة العبد، وعظمة الرب، وافتقار العبد لخالقه. ولا يكون الانسان عبداًلله تعالى إلاّ بهذا التذلل وبهذه العبودية. ومن هنا يظهر سرّ اختصاص السجود بالقربمن الله تعالى ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « أقـرب ما يكون العبد إلىالله وهو ساجد »
من أسرار حركات السجود من الهوي إلى الاَرض، ثماستقرار الجبهة عليها، ثم رفع الرأس، ثم العودة إليها، ثم الرفع منها ثانية ـاستحضار دورة حياة الانسان كلّها منذ نشأته الاُولى من مادة الاَرض، وتكونه إنساناًيدبّ عليها، ثمّ عودته فيها بعد موته، ثم خروجه منها يوم البعثوالنشور.
وقد جمع أمير المؤمنين عليه السلام أطراف هذا المشهد فيجوابه عن سؤال سائل سأله، قائلاً: يا بن عم خير خلق الله، ما معنى السجدةالأولى؟ فقال : تأويله : اللهم!.. إنك منها خلقتني - أي من الأرض -. ورفع رأسك : ومنها أخرجتنا.. والسجدة الثانية : وإليها تُعيدنا.. ورفع رأسك منالثانية : ومنها تُخرجنا تارة أُخرى..
وروي عن الاِمام جعفر الصادق عليهالسلام أنّه قال: « السجود منتهى العبادة من بني آدم » .
وعنه عليه السلام: « ما خسر والله قطُّ من أتى بحقيقة السجود ولو كان في عمره مرة واحدة، وما أفلح منخلا بربه في مثل ذلك الحال تشبيهاً بمخادع نفسه، غافلاً لاهياً عما أعدّ الله تعالىللساجدين من البشر العاجل، وراحة الآجل، ولا بَعُدَ عن الله أبداً من أحسن تقرّبهفي السجود، ولا قَرُبَ إليه أبداً من أساء أدبه وضيّع حرمته بتعليق قلبه بسواه فيحال السجود.. »